حصار غزة وواجب الوقت 2010-08-22
د: أحمد محمد زايد *
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله ولي المؤمنين ,ناصر المجاهدين ,مذل الكافرين, سبحانه أنجز وعده, نصر عبده, وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وبعد:
انفروا وإلا :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "
خطاب من سورة التوبة تلك السورة التي هي آخر سور القرآن نزولاً, يعني خطاباً لقوم عاشوا حياتهم في جهاد وغزو مع رسولهم الحبيب صلى الله عليه وسلم, إلا أنهم إن تخلفوا عن غزوة واحدة غزوة تبوك لأحبطوا أعمالهم السابقة على كثرتها وعظمتها , فلم التثاقل والرضا بالدنيا من الآخرة , ثم يأتي التهديد بعذاب أليم إن تقاعسوا عن الواجب الذي حان وقته واجب الجهاد والنصرة, ثم يبين الحق تبارك وتعالى أن الله ناصر عبده في تلك المرحلة كما نصره في مرحلة الهجرة 0
حصار غزة وواجب الوقت: لا يخفى على كل متابع لأحوال إخوانه في فلسطين خاصة أهل غزة الصامدة, رمز الرجولة والفداء والتحدي لا يخفى حال هؤلاء , كما لا يخفى حال الذل العربي الرسمي والغليان الجماهيري الشعبي تجاه تلك المهزلة التي تقع على الأرض العربية على أيدي هؤلاء الصهاينة المجرمين, حصار قاتل منه بسببه الدواء قبل الغذاء , والماء قبل الكهرباء , وتآمر العالم كله على إبادة تلك الفئة التي تعلم الدنيا الصمود والمقاومة والفداء , بقية الرجولة والجهاد في أمتنا الإسلامية, إن ما وصل إليه حال غزة في تلك الحقبة ليستوجب أموراً هي الواجب بعينه وإلا فأقسم بالله غير حانث أنهم سينتصرون بجند السماء وسينهزم جميع من سواهم بتخاذلهم وعدم القيام بالواجب نحوهم, إنني أثق بنصر عاجل قريب إن شاء الله في هذه الأزمة أكثر من أي وقت مضى لكن ما الواجب على أمتنا؟ إننا لو هربنا من واجبنا فسندفع نتيجة ذلنا وقهرنا وتخلينا عن واجبنا أضعاف أضعاف ما لو دفعناه وبذلناه صامدين مدافعين عنهم, وشتان بين أن تدفع مختاراً مجاهداً ,وأن تدفع ذليلاً منكسراً منهزماً فالمجاهد يبذل ونهايته نصر أو شهادة, والمتخاذل يدفع أكثر بكل خسة وانكسار وذل فلا يبقى له دنيا ولا يحصل على رضوان ربه في الآخرة 0" إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً "
إنه تحذير الله للمؤمنين الذين إذا دُعوا للنفرة في سبيل الله تثاقلوا وتخاذلوا واكتفوا بركعات ميتة وتمتمات لا تغني عنهم من الله شيئاً, واجبات الأمة نحو نصرة أهل غزة, إن أمتنا اليوم في مرحلة فاصلة , وعلى مفترق طرق فإما أن تنحاز إلى دينها وإخوانها وقضاياها , وتستعصي على قهر الأنظمة فتخرج من صمتها , وتنتفض في وجه من قهرها وكبَتَ رأيها, لتنصر فلسطين عامة وأهل غزة خاصة , وإلا فلن تنفعها تلك الأنظمة الجائرة الذليلة التي منعتها رغيف خبزها ,
وهنا أنبه على بعض ما يجب علينا :-
أولاً :- دور الأئمة والوعاظ والعلماء :- دوام تذكير الناس بقضية فلسطين والمطامع الصهيونية في المنطقة, وضرورة الجهاد وأنه هو العزة الحقيقية , وتذكير الأفراد بدورهم ,على ألا يكون ذلك مجرد وعظ بل ليتحول الخطاب إلى برامج عملية تنفيذية , ومهما تكن الجهود ضئيلة فيكفي أن تتفاعل الجماهير مع القضايا وتبذل ما استطاعت من وجدها, وألا يكون ذلك من الخطباء وأئمة المساجد انفعالة قصيرة الأمد وتنتهي بل لا بد من دوام ذلك حتى ينكسر الحصار وتزول الغمة – قودوا المظاهرات والوقفات الجماهيرية لتحريك الشعوب للنصرة – اعقدوا المؤتمرات والمحاضرات والدروس للتوعية وبيان الحق .
ثانياً :- دور المفتين والفقهاء :- أما الفقهاء والمفتون فلابد من إصدار الفتاوى التي تجلي حكم الإسلام في الجهاد الواجب على الأمة الآن نحو إخوانهم - إصدار الفتاوى الصريحة الواضحة القوية بحرمة التعامل السياسي والاقتصادي والأمني مع كل عدو لفلسطين – إصدار المواد الفقهية من فتاوى وإصدارات ببيان أن ضرورة صرف الزكوات بأنواعها إلى أهل فلسطين نظراً لتجمع كل مواصفات الحاجة فيهم – بيان أن المسلمين تتكافؤ دماؤهم فليس بقاء المصري أو الأردني أو الخليجي أولى من بقاء الفلسطيني بمعنى أن لكل فلسطيني كامل الحق في مالنا الذي نمتلكه وطعامنا الذي نأكله , ودوائنا الذي نتداوى به بل له الحق في كل ما نتمتع به في الحياة.
ثالثاً :- الشعراء والأدباء :- أما الشعراء والأدباء فإن شعرهم متى كان صادقاً متفاعلاً مع تلك القضية المصيرية للأمة كانت أشعارهم أمضى في العدو وأقوى وأنهض للعزائم والهمم العربية والإسلامية نحو فلسطين, ألا فلتقرض القصائد الجهادية ولتنشر القصص والروايات الداعية للجهاد بمفهومه الشامل بدلاً من تلك الروايات التافهة أو الخبيثة, وليعلم هؤلاء الأدباء والشعراء أن معهم سلاحاً ماضياً له عظيم الأثر في مثل هذه الأزمات .
رابعاً :- دور الفنانين :- أما أهل الفن فلا أقل من توظيف فنهم للتعبير عن مأساة أهل غزة في صورة مسرحيات ومسلسلات ومقاطع فنية قصيرة علَّهم يقومون ببعض الواجب بدلاً من هذا الفن غير المرغوب فيه الذي يخدر الأمة وينسيها قضاياها , فلا يصح في العقل الضحك في بيت العزاء , ونحن في البيت العربي اليوم في حالة بكاء وعزاء فلا يليق مع ذلك فن هابط يضحك الناس ضحكات هزيلة تافهة لا معنى لها ولا مبرر0
خامسا : دور المدرسين والمعلمين وأساتذة الجامعات: فإنهم مربو الجيل وصانعو العقول ويستطيعون من خلال مهمتهم العلمية أن يقوموا بجهادهم بتبصير تلك الأجيال المسكينة التي غاب وعيها أو أريد له أن يغيب, أيها المعلمون والأساتذة: أمامكم أجيال وبين أيديكم قضية ساخنة مرتبطة بمصير الأمة وللأجيال دور هام فيها ألا فلتبصِّروا أبناءكم بقضية أقصاهم وإخوانهم في غزة وفلسطين عامة , أنتم القدوة فكونوا نعم القدوة والمعلمون .
سادساً :- دور البيوت والآباء والأمهات :- أما الآباء والأمهات داخل بيوتهم فكبير عظيم , علموا أولادكم تاريخ فلسطين , وأطلعوهم على حال إخوانهم من خلال الفضائيات وعلموهم الواجب نحوهم- خصصوا صندوقاً لفلسطين داخل بيوتكم يضع فيه الأولاد شيئاً من مصروفاتهم نصرة لإخوانهم – حفِّظوهم أناشيد المقاومة والجهاد – علموهم رسم فلسطين والأقصى على لوحاتهم- أديموا الدعاء الجماعي مع أولادكم لإخوانكم- تبرعوا بما تستطيعون مع أولادكم لقضيتكم الإسلامية – كلموا جيرانكم وزائريكم عن غزة وفلسطين والواجب الإسلامي ...الخ
سابعاً : عامة الأمة :- (فثِقي بنصر قريب - لا تهنوا ولا تحزنوا – لا تغرنكم قوة اليهود فالقوي لا يظل قوياً طول عمره والضعيف اليوم منتصر غداً وواجبكِ يا أمتي = الاعتصامات السلمية حتى تتحرك الحكومات تحركاً ينهي الحصار- التبرعات بكل ما تستطيع الجماهير من مال وغذاء ودواء وملبس وغير ذلك – متابعة الأخبار الفلسطينية من مصادرها الصحيحة البعيدة عن الكذب والتزوير – استصحاب نية الجهاد – دوام القنوت والتضرع إلى الله تعالى أن يرفع الغمة- الضغط السياسي بكل الوسائل الممكنة على الحكومات العربية والإسلامية لتقوم بواجبها الشرعي نحو هؤلاء المستضعفين ).
ثامناً :- الأطفال :- أما أطفال العالم الإسلامي فطوفوا شوراع بلادكم , في حاراتكم, في مدارسكم, في أنديتكم , في حفلاتكم رافعين هتافكم البريء ( ارفعوا الحصار عن غزة – يا أقصانا لن ننساك – ارفعوا صور الشهداء وصور المحاصرين – ارفعوا صورة طفل عمره خمسة أيام استشهد وشيخ بلغ الثمانين قضى – ارسموا على الحوائط وعلى صفحات لوحاتكم الفنية ما تشعرون به نحو إخوانكم في غزة – علموا الأمة أن الأطفال مع فلسطين – جيل غاضب ثائر لن يستسلم لإعلام كاذب, ولن يدخل تحت خداع خبيث , غنوا أناشيد الحماسة – احفظوا أسماء الشهداء وتاريخ المجاهدين – رددوا سيرة أحمد ياسين وسائر الشهداء .
تاسعاً :- الكتَّاب والصحفيين والإعلاميين :- فكونوا أمناء مع قضية الحق - كونوا مع الحق وأظهِروا الحقيقة المظلومة – إن الملايين تتلقى مكتوباتكم ومعروضاتكم فاتقوا الله فيما تقولون أو اصمتوا – لا تنساقوا خلف الإعلام الصهيوني الكاذب أو خلف تحليلات المنهزمين المنبطحين – اتقوا الله في الكلمة حتى لا تضللوا الجماهير فتبوءوا بإثم الملايين وتخسروا شرفكم وتفقدوا ثقة الناس بكم – اعلموا أن الكلمة أمانة وأن الجيش تسبقه الفكرة وتحرك جماهير الأمة المقالة والبرنامج والمؤتمر والتحليل والمسلسل فكونوا مع الحق يكن الله معكم .
عاشراً :- دور الفلسطينيين :- فنحن نتعلم منكم الرجولة والجهاد والعزة والثقة في نصر الله والصبر الذي لا حدود له والحنكة والحكمة فاصبروا والله معكم واعلموا أنها خيانة والأنظمة ووفاء الشعوب فالشعوب معكم وهي أبقى, وسيزول الظلم فالله معكم ولن يتركم أعمالكم فكونوا مع الله, اطلبوا من الله, استغيثوا بالله والله ولي المؤمنين0 وهناك دور رجال الأعمال والتجار والجمعيات الخيرية والأهلية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية لتأخذ كل جهة من هذه الجهات تلك القضية محل بحث ودراسة ووضع برامج عملية هي الجهاد بعينه " إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً "
أما الساسة وقادة العالم الإسلامي فلهم خطاب آخر قل عسى أن يكون قريباً.
وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
* جامعة الأزهر –كلية أصول الدين – قسم الدعوة والثقافة الإسلامية